الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 25 فبراير 2012

خطبة امير المؤمنين المفجعة بعد موقعة الجمل

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم 
السلام عليكم ورحمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة الله وبركاته
خطبة امير المؤمنين بعد موقعة الجمل 
   XXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXX


قال سليم : شهدت عليا عليه السلام حين عاد زيادة بن عبيد بعد ظهوره على أهل الجمل , وإن البيت لممتلئ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم عمار وأبو الهيثم بن التيهان وأبو أيوب وجماعة من أهل بدر نحو من سبعين رجلا - وزياد في بيت عظيم شبه البهو - إذ أتاه رجلا بكتاب من رجل من الشيعة بالشام :

"إن معاوية استنفر الناس ودعاهم الى الطلب بدم عثمان . وكان فيما يحظهم به أن قال : إن عليا قتل عثمان وآوى قتلته , وإنه يطهن على أبي بكر وعثمان ويدعي أنه خليفة رسول الله وإنه أحف بالأمر منهما . فنفرت العامة والقراء , واجتمعوا على معاوية إلا قليل منهم "

قال : فحمد الله وأثنى عليه وقال : " وأما بعد , مالقيت من الأمة بعد نبيها منذ قبض عليه السلام , فأقام عمر وأصحابه الذين ظاهروا علي أبا بكر فبايعوه ,
وأنا مشغول بغسل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وكفنه ودفنه , وما فرغت من ذلك حتى بايعوه وخاصموا الأنصار بحجتي وحقي , والله إنه يعلم يقيناوالذين ظاهروه أني أحق بهما من أبي بكر .

فلما رأيت اجتماعهم عليه وتركهم إياي ناشدتهم الله عز وجل وحملت فاطمة عليها السلام على حمار وأخذت بيد أبني الحسن والحسين لعلهم يرعوون , فلم أدع أحد من أهل بدر ولا أهل السابقة من المهاجرينوالنصار إلا استعنتهم ودعوتهم إلى نصرتي وناشدتهم الله حقي فلم يجيبوني ولم ينصروني . أنتم تعلمون يا معشر من حضر من أهل بدر أني أقل إلا حقا ".
قالوا : صدقت يا أمير المؤمنين وبررت , فنستغفر الله من ذلك ونتوب اليه .

قال : " وكان الناس قريبي عهد بالجاهلية فخشيت فرقة أمة محمد واختلاف كلمتهم , وذكرت ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه أخبرني بما صنعوا وأمرني : إن وجدت أعوانا جاهدتهم وإن لم أجد أعوانا كففت يدي وحقنت دمي .

ثم ردها أبوبكر إلى عمر - ووالله إنه يعلم يقينا أني أحق بها من عمر - فكرهت الفرقة فبايعت وسمعت وأطعت .

ثم جعلني عمر سادس ستة فولى الأمر ابن عوف , فخلا بإبن عفان فجعلها له على أن يردها عليه , فكرهت الفرقة والاختلاف .

ثم ان عثمان غدر بابن عوف وزوها عنه , فبرء منه ابن عوف وقام خطيبا فخلعه كما خلع نعله . ثم مات ابن عوف وأوصى أن لايصلي عليه عثمان , وزعم ولد ابن عوف أن عثمان سمه .

ثم قتل ( أي عثمان ) , وأجتمع الناس ثلاثة أيام يتشاورون في أمرهم . ثم أتوني فبايعوني طائعين غير مكرهين .

ثم أن الزبير وطلحة أتياني يستأذناني في العمرة , فأخذت عليهما أن لا ينكثا بيعتي ولا يغدرا بي ولا يبغيا علي غائلة , ثم توجها إلى مكة فسارا بعائشة إلى أهل مدرة (المدرة بمعنى البلدة والقرية لأن بنيانها من المدر أي الطين , ولعله تصحبف كلمة مدينة والمراد به البصرة ) كثير جهلهم قليل فقههم , فحملوها على نكث بيعتي واستحلال دمي " .

ثم ذكر عليه السلام عائشة وخروجها من بيتها وما ركبت منه . فقال عمار: يا أمير المؤمنين , كف عنها فإنها أمك . فترك ذكرها وأخذ فب شئ آخر , ثم عاد إلى ذكرها فقال أشد مما قال أولا . فقال عمار : يا أمير المؤمنين , كف عنها فإنها أمك . فأعرض عن ذكرها ثم عاد الثالثة فقال أشد مما قال , فقال عمار : يا أمير المؤمنين , كف عنها فإنها أمك , فقال : " إني مع الله على من خالفه , وإن أمكم ابتلاكم الله بها ليعلم أمعه تكونون أم معها ؟"

قال سليم : ثم ذكر علي عليه السلام بيعة أبي بكر وعمر وعثمان فقال : " لعمري لئن كان الأمر كما يقولون , ولا والله ماهو كما يقولون " ثم سكت فقال له عمار : وما يقولون ؟ فقال : " يقولون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف أحدا وإنهم إنما تركوا ليتشاوروا , ففعلوا غير ما أمروا في قوله , فقد بايع القوم أبا بكرعن غير مشورة ولا رضى من أحد , ثم أكرهوني وأصحابي على البيعة . ثم بايع أبو بكر عمر عن غير مشورة . ثم جعلها عمر شورى بين ستة رهط وأخرج من ذلك جميع الأنصار والمهاجرين إلا هؤلاء الستة ثم قال يصلي صهيب بالناس ثلاثة أيام , ثم امر الناس : إن مضت ثلاثة أيام ولم يفرغ القوم أن تضرب رقابهم و وإن اجتمع , وإن اجتمع أربعة وخالف اثنان أن يقتلوا الاثنين . ثم تشاوروا في ثلاثة أيام وكانت بيعتهم عن مشورة من جماعتهم وملأهم , ثم صنعوا ما رأيتم .

ثم قال " إن موسى قال لهارون { مامنعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن } إلى قوله { ولم ترقب قولي } , وأنا من نبي الله بمنزلة هارون من موسى , عهد الي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إن ضلت الأمة بعده وتبعت غيري أن أجاهدهم إن وجدت أعوانا , وإن لم أجد أعوانا أن أكف واحقن دمي , وأخبرني بما الأمة صانعة بعده .

فلما وجدت أعوانا بعد قتل عثمان على إقامة أمر الله وإحياء الكتاب والسنة لم يسعني الكف , فبسطت يدي فقاتلت هؤلاء الناكثين ؛ وأنا غدا إنشاء الله مقاتل القاسطين بأرض الشام في موضع يقال له ( صفين ) ؛ ثم أنا بعد ذلك مقاتل المارقين بأرض من أرض العراق يقال لها ( النهروان ) . أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتالهم في هذه المواطن الثلاث .

وكففت يدي لغير عجز ولا جبن ولا كراهية للقاء ربي , ولكن لطاعة رسول الله وحفظ وصيته , فلما وجدت أعوانا نظرت فلم أجد بين السبيلين ثالثا : إما الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , أو الكفر بالله والجهود بما أنزل الله ومعالجة الأغلال في نار جهنم والإرتداد عن الإسلام .

وقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الشهادة من ورائي , وإن لحيتي ستخضب من دم رأسي , بل قاتلي أشقى الأولين والآخرين , رجل أحيمر ( بضم الألف )يعدل عاقر الناقة ويعدل قابيل قاتل أخيه هابيل وفرعون الفراعنة والذي حاج إبراهيم في ربه ورجلين من بني إسرائيل بدلا كتابهم وغيرا سنتهم , ثم قال : ورجلين من أمتي ".

ثم قال عليه السلام : "إن عليهما خطايا أمة محمد , وإن كل دم سفك إلى يوم القيامة ومال يؤكل حراما وفرج يغشى حراما وحكما يجار فيه عليهما , منغير ان ينقص من إثم من عمل به شئ " .

فقال عمار : يا أمير المؤمنين , سمهما لنا فلنلعنهما . قال : " ياعمار , ألست تتولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتبرء من أعدائهم ؟ " قال : بلى . قال : " وتتولاني وتتبرأ من عدوي ؟ " قال : بلى , قال : " حسبك يا عمار , قد برئت منهما ولعنتهما وإن لم تعرفهما بأسمائهما "
قال : يا أمير المؤمنين لو سميتهما لأصحابك فبرءوا منهما كان أمثل من ترك ذلك . قال : " رحم الله سلمان وأباذر والمقداد , ماكان أعرفهم بهما وأشد برائتهم منهما ولعنتهم لهما " .

قال : يا أمير المؤمنين جعلت فداك , فسمهما فإنا نشهد أن نتولى من توليت ونتبرءممن تبرأت منه . قال : " ياعمار , إذا يقتل أصحابي وتتفرق عني جماعتي وأهل عسكري وكثير ممن ترى حولي !
يا عمار , من تولى موسى وهارون وبرئ من عدوهما فقد برئ من العجل والسامري , ومن تولى العجل والسامري وبرئ من عدوهما برئ من موسى وهارون من حيث لا يعلم . يا عمار فمن تولى رسول الله وأهل بيته وتولاني وتبرء من عدوي فقد برئ منهما ؛ ومن برئ من عدوهما فقد برئ من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حيث لا يعلم " . 

فقال محمد ابن ابي بكر : يا أمير المؤمنين , لا تسمهما فقد عرفتهما ! ونشهد الله أن نتولاك ونبرء من عدوك كلهم , قريبهم وبعيدهم وأولهم وآخرهم وحيهم وميتهم وشاهدهم وغائبهم . ( وروي أن محمد ابن ابي بكر بايع علي عليه السلام على البراءة من أبيه )

فقال أمير المؤمنين : " يرحمك الله يا محمد , إن لكل قوم نجيبا وشاهدا عليهم وشافعا لأماثلهم و وأفضل النجباء النجيب من اهل السوء , وإنك يا محمد لنجيب اهل بيتك .
أما إني سأخبرك : دعاني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعنده سلمان وأبوذر والمقداد , ثم أرسل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عائشة إلى أبيها وحفصة إلى أبيها وأمر أبنته فأرسلت إلى زوجها عثمان , فدخلوا.
فحمد الله وأثنى عليه وقال :يا أبا بكر , يا عمر , يا عثمان , إني رأيت الليلة إثني عشر رجلا على منبري يردون أمتي عن الصراط القهقرى . فأتقوا الله وسلموا الأمر لعلي بعدي ولا تنازعوه في الخلافة ولا تظلموه ولا تظاهروا عليه أحدا . قالوا يا نبي الله . نعوذ بالله من ذلك ! أماتنا الله قبل ذلك !! 

قال ( النبي ) عليه السلام : فإني أشهدكم جميعا ومن في البيت من رجل وإمرأة : أن علي بن أبي طالب خليفتي في أمتي , وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم . فإذا مضى فإبني هذا - و وضع يده على رأس الحسن عليه السلام - فإذى مضى فإبني هذا - و وضع يده على رأس الحسين عليه السلام - ثم تسعة من ولد الحسين عليه السلام واحد بعد واحد , وهم اللذين عنى الله بقوله { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } . ثم لم يدع آية نزلت في اللأئمة إلى تلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

فقام أبو بكر وعمر وعثمان , وبقيت أنا واصحابي أبو ذر وسلمان والمقداد وبقيت فاطمة والحسن والحسين , وقمن نساءه وبناته غير فاطمة , وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( رأيت هؤلاء الثلاثة وتسعة من بني أمية وفلان من التسعة من آل أبي سفيان ( المراد به معاوية , أي معاوية أحد التسعة من بني أمية ) وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص بن أمية يردون أمتي على أدبارها القهقرى ) .

قال ذالك علي عليه السلام وبيت زياد ملآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم . ثم أقبل عليهم فقال : " اكتموا ما سمعتم إلا من مسترشد . يا زياد , إتق الله في شيعتي بعدي " ! فلما خرج من عند زياد أقبل علينا فقال : " إن معاوية سيدعيه , ويقتل شيعتي , لعنه الله " .




المصدر : كتاب سليم بن قيس الهلالي ( أسرار آل محمد )

حيث قال الإمام زين العابدين عليه السلام : 

( صدق سليم , رحمه الله , هذا حديثنا كلنا نعرفه )
نسألكم الدعاء